اعلانات جوجل
الرئيسيةمقالات وتقارير

طارق الديب يكتب.. تنظيم الفعاليات الدولية فى الدول النامية بين الربح و الخسارة

 

في عام ٢٠٠٦ استضافت مصر تنظيم بطولة كأس الأمم الافريقية والتي غيرت مفهوم مشجعي كرة القدم بمصر لنجاحها في اجتذاب فئات جديدة علي ملاعب كرة القدم، ولكن من الناحية الاقتصادية لم تنشر موازنة البطولة ولا حتي ارباحها للدولة المنظمة.

اعلانات جوجل

رغم انها في تقديري من انجح البطولات التي نظمتها مصر، كل ما نشر في الاعلام تصريح لرئيس اللجنة المنظمة مهندس هاني ابوريدة بأن مصر ٢٠٠٦ ربحت ٥ مليون دولار نصيبها في البث التليفزيوني، وهو شيئ جيد، الا انه لم يتم نشر (اعلامياً علي الأقل ) ارباح السياحة والتذاكر والرعاة المحليين والمبيعات والفرص الربحية الاخري.

 

في نفس العام نظمت المانيا كأس العالم ولان هدفها من التنظيم لم يكن شرفيا فقط فلقد اعلنت انها ربحت ٢،٨٦ مليار يورو وان دخل الضرائب الخاص بالبطولة فقط ١٠٤ مليون يورو وان اكثر ٥٠ الف وظيفة تم شغلها خلال الثمانية اشهر السابقة للبطولة وان معدل زيادة الدخل القومي الالماني ارتفع بنسبة ٠،٣ وهو رقم كبير بالطبع.

وكما نعلم ان صراع الدول علي تنظيم كأس العالم القادم في ٢٠٢٦ انتهي لصالح امريكا التي اعلن رئيس الاتحاد الامريكي لكرة القدم عن الجدوي الاقتصادية بأنه أكثر من ٥ مليار دولار ستتحرك داخل الاقتصاد الامريكي وحده بسبب البطولة مع توقع ارباح صافية من ٣-٤ مليار دولار. توفير اكثر من ٤٠ الف وظيفة وارتفاع دخل العمالة الخاصة بالبطولة الي اكثر من مليار دولار.

 

المدن المنظمة سيدخلها اموال من ١٦٠-٦٢٠ مليون دولار مع ارباح صافية تصل من ٩٠-٤٨٠ مليون دولار وان قطاعات التشييد والتنظيم والفعاليات والترويج والسياحة سيصب فيها مباشرة تلك الاموال بخلاف قطاعات الاعمال الصغيرة والمتوسطة التي ستستفيد استفادة مباشرة من تنظيم البطولة اقتصادياً.. هذا بخلاف دخول الشركات العالمية الكبيرة كمستثمر ومورد لقطاعات التنظيم المختلفة.

بينما عندما نراجع الموقف الاقتصادي للبرازيل بعد تنظيم كأس العالم ٢٠١٤ نجد ان العبئ المالي أو العجز في الموازنة وصل الي ١٣،٤ مليار دولار مع اعباء الدين الخارجي وتكاليف صيانة المنشآت التي تم بنائها في أماكن بعيدة مما يقلل اهمية استخدامها فيما بعد.علي الرغم من ان فرص التسويق لبطولة البرازيل ٢٠١٤ كانت أقوي من المانيا ٢٠٠٦ الا انها لم تجد من يستغلها ويعظم مواردها واكتفت البرازيل بشرف التنظيم كلقب محبب لقلوب المسؤولين في الدول النامية.

تقدمت مصر لتنظيم كأس الأمم الافريقية ٢٠١٩ لإنقاذ الاتحاد الافريقي لكرة القدم الذي لم يجد دولة تستضيف البطولة بعد سحبها من الكاميرون وتراجع المغرب عن التقدم الرسمي قبل شهور قليلة من موعدها.. حصلت مصر علي حق التنظيم دون ان يكون هناك دراسة اقتصادية وافية.

 

ونظراً لضيق الوقت المتبقي، اضطرت مصر الي ضخ استثمارات كبيرة لم تكن في الحسبان لتفي بمتطلبات التنظيم ، ورغبة مصر في ظهور التنظيم بشكل غير مسبوق لمحو شبح خروج مصر من كأس العالم وما صاحبه من لغط. بدأت مصر عمليات تجديد لملاعبها واستضافة الفرق -٣٢ فريق بدلاً من ٢٤- ودعاية وانفاق كبير دون ان تكون هناك ميزانية مدروسة سابقاً مما نتج عنه لغط وعلامات استفهام حول حجم ميزانية البطولة التي لم تعلن رغم تأكيد المسؤولين انها سوف تعلن قبل بداية البطولة.

 

وتسبب خروج مصر مبكراً الي زيادة التساؤلات حول جدوي تنظيم البطولة في وقت قصير وتكلفتها العالية نظراً لعامل الوقت ومصادر الدخل والارباح. وحتي الان لم تنشر موازنة بطولة مصر ٢٠١٩ لعدم الانتهاء من الاعمال المحاسبية لها كما يقال. لم يتم نشر الموازنة بعناصرها وتحديد ارباح البطولة المباشرة مثل عقود الرعاة والاعلانات ومبيعات التذاكر والمنتجات الترويجية وارباح التنظيم من الكاف والبث التليفزيوني وغيرها .

 

والارباح غير المباشرة مثل السياحة والطيران والليالي الفندقية وغيرها لتكون معياراً للبطولات التالية.
ورغم توافر كافة عناصر النجاح لتحقيق ارباح عظيمة من تلك البطولة الانه لم يتم نشر اية ارباح موثقة بارقام رسمية.. وكل مايوجد هي رسائل الفخر والشرف بتنظيم بطولة كبيرة في وقت ضيق، الا ان الارباح الاقتصادية غير متوفرة بالدقة التي يمكن الاعتماد عليها.

في العام السابق – ٢٠١٨ – نظمت روسيا كأس عالم رائع وقدمت اللجنة المسؤولة عن التنظيم وعوداً علي المستوي الاقتصادي تبشر بارباح اقتصادية كبيرة تساعد الدولة الروسية للخروج من ازمتها الاقتصادية.

لكن كلمة الرئيس الروسي بوتن في البطولة كانت تلخص الموقف الاجمالي “…لقد تشرفنا بحضوركم لروسيا ٢٠١٨ ، الشعب الروسي يشعر بالفخر بتنظيم كأس العالم …” رغم الفرص العظيمة لتحقيق ارباح من تنظيم كأس العالم الا ان المسؤولين في روسيا كان تركيزهم في جملة “أمة تشعر بالفخر” المكتوبة في كل المدن أكثر من الفرص الربحية للتنظيم نفسه ..فلقد تم انفاق حوالي ١٢ مليار دولار .

 

في المقابل استقبلت روسيا ٥٧٠ الف سائح وقت البطولة وهو عدد اقل ممن حضروا البرازيل ب ٣٣٠ الف سائح .. وتم توفير حوالي ٦٠ الف فرصة عمل .. وحققت دخل عام يقدر ب ٦،٤ مليار دولار اي بعجز ٥ مليار دولار .. رغم وعود المسؤولين عن التنظيم بتحقيق دخل يتعدي ٣١ مليار ، وبينما وعدوا بتحقيق ٤-٦٪ زيادة في الدخل القومي الروسي بينما تحقق ١٪ فقط.

فإذا كانت العديد من الدول التي تنظم الفعاليات الدولية الضخمة لا تحقق المكاسب الاقتصادية بل وكثير منها يقع في فخ الخسائر في لعبة مضمونة المكسب .. فمن هو الرابح الاكبر؟.

طبقا لميزانيةِ الفيفا 2019 – 2022 المنشورُ ، فإنَ الفيفا قدْ حققتْ أرباحا منْ تنظيمِ البطولاتِ وخاصا كأسُ العالمِ حيثُ حققتْ أرباحا صافيةً منْ البثِ التليفزيونيِ 3.3 مليارِ دولارٍ ومنْ حقوقِ التسويقِ 1.8 مليارِ دولارِ بخلافِ الحقوقِ التجاريةِ التي لمْ يتمْ اعتمادها قبلَ نشرِ التقريرِ ، أما حقوقُ التراخيصِ فلقدْ حققتْ 603 مليونِ دولارٍ وحققتْ مبيعاتُ التذاكرِ وحقوقِ الضيافةِ 508 مليونِ دولارٍ.

كذلكَ حققَ الاتحادُ الأفريقيُ لكرةِ القدمِ في الفترةِ 2019 و 2020 أرباحا تقدرُ 68 مليونِ دولارِ منْ حقوقِ البثِ التليفزيونيِ وحقوقِ التسويقِ والحقوقِ التجاريةِ الأخرى منْ تنظيمِ كأسِ الأممِ الإفريقيةِ مصرَ 2019 .

بينما حققَ الاتحادُ الدوليُ لكرةِ اليدِ أرباحا 32 مليونِ دولارِ منْ تنظيمِ كأسِ العالمِ في فرنسا 2017 و 18 مليونَ دولارِ منْ تنظيمِ كأسِ العالمِ بألمانيا والدانمارك . وحققَ البثُ التليفزيونيُ 2017 أرباحا 12 مليونَ وفيٍ عامِ 2019 حققَ 22 مليونِ دولارٍ .

عندما ننظرُ إلى تلكَ الأرباحِ الكبيرةِ قدْ نسألُ كيفَ لتلكَ الجهاتِ تحقيقَ مكاسبَ بينما تتكبدُ الدولةُ المنظمةُ وخصوصا الدولَ الناميةَ خسائرَ بالملايينِ والمليارات ؟

تنفردَ تلكَ الاتحاداتِ الدوليةِ بجميعِ حقوقِ البثِ التليفزيونيِ والتسويقِ والرعايةِ والتراخيصِ للبطولاتِ التي تنظمها وتتركُ الفتتاتْ للدولةِ المنظمةِ، وأحيانا لا تتركُ شيئا …

تكاليفَ الإنشاءاتِ والتنظيمِ والاستضافةِ تكونُ على عاتقِ الدولةِ المنظمةِ وبالتالي تقلُ مصروفاتِ تلكَ الاتحاداتِ الدوليةِ ويثقلُ كاهلُ الدولةِ المنظمةِ بكلِ التكاليفِ . . حتى أنَ هناكَ اتحاداتٌ دوليةٌ تحملُ عبءَ المصروفِ اليوميِ ومكافآتُ موظفيها وممثليها والطيرانِ والإقامةِ وخلافهِ علي عاتقِ الدولةِ المنظمةِ وبالتالي لا تنفقُ شيئا يذكرُ.

تحملُ الاتحاداتِ الدوليةِ كافةَ الضرائبِ والرسومِ الجمركيةِ والخدماتِ على عاتقِ الدولةِ المنظمةِ .
لكنْ لماذا حققتْ ألمانيا أرباحا خاليةً وفشلتْ روسيا في تحقيقِ التوازنِ بينَ الإيراداتِ والمدفوعاتِ ولمْ تحققْ مصرُ 2019 أيْ أرباحَ تذكرٍ ؟ –

المقال تمت كتابته بواسطة الاستاذ طارق الديب.للتواصل معه من هنا طارق الديب

اعلان جوجل
3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى